جديدنا

أجمل قصة واقعية بهيّة ابنة التاجر

 أجمل قصة واقعية بهيّة ابنة التاجر

أجمل قصة واقعية

يحكى عن تاجر أقمشة اسمه مسعود ماتت زوجته، بعد أن أوصته خيرا بابنته الوحيدة بهية  ،ترعرعت البنت عند أبيها حتى كبرت، و صارت شديدة الجمال، ضليعة اللسان، على قدر كبير من الفطنة. و جاء يوم أن حل بالتاجر مرض شديد، فأصبح طريح الفراش، وخاف أن يأتي أجله و ليس له من قريب، يعتني بابنته ،ثم أنه فكر و غرق في التفكير، ورأى أنّ الحل هو زواجها ممّن يهواه قلبها ،وسيعطيه الدكان ليبقى إسمه حيا بعدما يموت. أحد الأيام أعد وليمة في داره ،وإستدعى أهله وأقربائه ،وكان يرجو أن يشاهدوا بهية ويطلبونها للزواج ،حضر القوم وأكلوا وشربوا ،وأثنوا على البنت وأدبها ،كان في جملة المدعوين فتى من الأشراف إسمه عدنان ، تربّى فى العز و الدلال، لا يحمل هما ولا غما، يحيط به الخدم و الحشم، لما رآها إندهش من حسنها ،ولم يرفع عينيه عنها . لمّا رجع إلى الدار دخل على أبيه، و قبّل يده، و دعا له بدوام الصحة و العافية، ثم شاوره في أمر زواجه من ابنة التاجر مسعود ، ففرح بذلك فرحا شديدا لأنّ إبنه كان مغرما بالجواري والقيان ،وبهيّة معروفة بأخلاقها وأدبها ،وستجعل منه إنسانا صالحا. ثم أنّ الأب أمر الخدم، أن جهزوا من الأثواب أغلاها، و من الجواهر أندرها، و من صواني الذهب و الفضة، ما يليق بمقام ابنه عدنان و عروسه. تجهز الموكب، و رفعت الأعلام، قاصدة بيت التاجر الذي رحّب بهم ، وفرح بمجيئهم  ثم أنه و بعد أن تبادلوا الحديث، أخبروه عن نيتهم في طلب يد إبنته، قال :و الله يا ولدي لن أجد لها من هو أحسن منك خلقا، و أعلى منك مقاما ،لكني أستسمحكما أن أسألها في هذا الأمر. ثم أن التاجر كلّم ابنته، و طلب منها أ تتجمّل و تتعطّر، و تلبس من الثّياب أجملها،ولمّا جاءت إعتدل في جلسته، و تنحنح، ثمّ قال: ماذا تقولين يا ابنتي فيما سألتك؟ طأطأت بهية رأسها ،و فكّرت هنيهة ،ثم أجابت: اعلم يا إبن الناس، أني لن أسألك  في مالك، و لا كم دينارا تتخذ في صرّتك، الفقر ليس عيبا، و الغنى لا يدوم. إنما أريد أن أعرف، هل لك من صنعة تزيل عنا همّ العوز و الحاجة إن ضاقت بنا الأيام؟؟  فصدق من قال لا خير في رجل خامل لا يعرف حق الدرهم . استنكر عدنان ما سمعه، و اغتم لذلك غما شديدا، فكيف تقلل من شأنه، و تعايره و هو ابن االعزّ و الجاه، ثم لم يتمالك نفسه ،و أجابها :ويحك  !!! الصّنائع مهنة العامة ،هل رأيت شريفا أو ملكا يشتغل بيديه  ؟ قوافل أبي تصل الهند والسند ،وفيها كل ما تشتهيها نفسك، وتريدن منى أن أقوم بحرفة حقيرة وسط السوق ؟ قالت :أنا أذهب يوميّا إلى السّوق وأجلس مع أبي، والناس التي تعمل في دكاكينها تستحق أن نحترمها لا أن نحقّر من شأنها، على كل حال ذلك أفضل  من إمرئ يعيش عالة على أبيه !!! نهض عدنان، وقد تغيرت ألوانه، وقال لا خير لي في زيجة كهذه !!! اقعدي يا ابنة التاجر  في دارك، يأتيك أجير يليق بشروطك، يبدو أنّ عيشة القصور لا تلائم مقامك، و لا يغرّنك جمالك الذي زادك غرورا فإنّه يفنى ،هيّا يا أبي نذهب فلقد قلّت هيبتنا في هذه الدّار وإجترأت علينا الجارية لمّا رأت إهتمامنا بها ،وكلّ ما أحضرنا لها من هدايا ،إنزعج مسعود وقال إلعنوا الشيطان ،هذه مشكلة صغيرة يمكن حلها فنحن أهل وأقارب ،لكن عدنان كان ثائرا، وقال لمسعود : لم تحسن تأديبها يا عم ّ،ولي في دار أبي عشرين من الجوارى ،ولا حاجة لي في هذه البنت الوقحة !!! مرّت الأيام ،وسمع عدنان أنّ فتى يعمل نجارا خطب بهيّة ،ووافقت عليه ،فجنّ جنونه ،وقال كيف ترضى برجل لا يصلح حتى عبدا من عبيده ،وترفضه هو إبن الأكابر ؟ و اشتد غيضه من بهيّة، وحقد عليها هي وأبيها ولم يعد يفكر إلا في الانتقام ،وبما أنّها لم تقبل به فلن تتزوج غيره ... ....  

 

 

قصة بهيّة ابنة التاجر الجزء الثاني سأل عدنان عن النّجار ،فقيل له:  دكّانه قرب السّوق، وهو معروف بالبراعة  في حرفته ،وله أمّ عجوز ،وإخوة صغار ينفق عليهم . قال في نفسه :بهيّة تحبّ من يشتغل بيديه ،سأرسل من يحرق دكّانه ،ويجعل منه متسوّلا ،فهؤلاء أحسن من يستعملون أيديهم القذرة لطلب الرّزق !!! طلب من أحد عبيده المخلصين أن يتسلّل ليلا ويضع النار في الدّكان  لكن أجابه العبد : لا أقدر على فعل ذلك ،فله أهل يرتزقون منه ،عاقبني إن شئت لكن بالله عليك أعفيني من هذه المهمّة . سخر منه ،وقال : هذا جيّد، الآن يتمرّد عليّ العبيد !!! سأريك ما أفعل بك أيّها الوغد ،وأمر بتعليقه ،وضربه حتى سمع كلّ الحيّ صراخه ،ثمّ قال :الأفضل أن أفعل ذلك بنفسي ،سأقف وأرى النار تلتهم ما في الدّكان من خشب ،وأشفي غليلي من بهية وخطيبها الحقير . لمّا حلّ الليل تنكّر بزيّ العبيد ،وذهب إلى السّوق. و حين وصل بحث عن الدّكان حتى وجده، ودار حوله ،حتّى وجد كوّة صغيرة في الحائط ، فأخذ خرقة غمسها في الزّيت ،ثم أشعلها ،ورماها من الكوّة ،وبعد لحظات إرتفعت ألسنة اللهب، وشاهد الدخان يخرج من تحت الباب ،فإبتسم بخبث ،وقال: سنرى يا بهيّة إن مازلت ترغبين في النّجار بعد أن خسر عمله ؟ في الصّباح كان النّاس يتحدّثون عل الحريق الذي دمّر دكّان النّجار وما حوله من دكاكين التّجار ،ولمّا سمعت بهيّة، قالت :دفع الله ما كان أعظم !!! الرّزق بيد الله . بعد ساعة جاء النّجار ،وقال للبنت : لقد فقدت كلّ ما أملك، وإعلمي أنّي إستدنت لأشتري الخشب ،لا شيئ يجبرك على البقاء معي !!! وضعت يدها على كتفه ،وقالت: هوّن عليك يا عبد الله ،لقد أحسن أبي تربيتي ،وسأقف معك، وأساعدك حتى تدفع دينك ،و تعيد بناء دكّانك . بكى الرّجل لمّا سمع ذلك ،وقال : بارك الله فيك وأبيك، ورحم أمك !!!سأتذكر صنيعك ،ولن أساه ما حييت . بعد قليل دخل مسعود ،فقال لقد علمت ما حصل، لا تقلق يا إبني، سأشتري لك بضاعة ،فاركب البحر وتاجر مع البلدان ،فبإذن الله تربح ،وتعوّض ما خسرته ،وهذه صرة من المال هديّة لأم عبد الله لكي لا تحتاج شيئا في غيابك . قبّل النّجار يدي مسعود ،وقال : ذلك المال دين في رقبتي سأرده إإليك لما أرجع ،قال مسعود كل ما أعطيتك له هو هديّة عرسك ،والآن ما هي البضاعة التي تريد شرائها؟ فكّر قليلا  ،وقال : أنا نجار ،ولا أفهم إلا في مهنتي ،سأشتري أدوات نجارة من مطارق ،ومسامير ومناشير!!! أجابه الشيخ:  فكرة جيّدة ،وهي لا تفسد ولا تقدم ،هيا يا إبني، إحزم أمرك ،فهناك سفينة ذاهبة لجزيرة سرنديب خلال أيام، سندعو لك بالتوفيق !!! ودع النجار بهية وأباها مسعود،و صعد إلى السّفينة وبعد شهر وصل إلى ميناء  جفنة في  سرنديب ،فرأآه مليئا بالخشب ،والنّجارون يصنعون مراكب الحرب ،وقد علت الجلبة وصوت المطارق ،فتعجّب وسأل شيخا ماذا يحدث ؟ كأنّكم تستعدون للقتال !!! أجاب الشيخ:  إنّ سلطان "ما دراي" الهندية قد عظم أمره ،وسيطر على جنوب الهند ،وهو الآن  يستعدّ لعبور البحر وغزونا ،لهذا نصنع سفننا!!! المشكلة أنّ الوقت ضيق ،وتنقصنا أدوات النّجارة ،و النّجارين ،قال له دلني على والي المدينة ،قال له في آخر الطريق ستجد بناية عالية هي قصر الوالي ، شكره وبحث عن البناية حتى وجدها ودهش من جمالها ودقة الزخارف على جدرانها .أذن له الوالي بالدّخول ورحب به ،سأله من أي البلاد أنت أجابه من البصرة ،قال حسنا لقد طلبت مقابلتي خير إن شاء الله !!! قال له معي حمولة كبيرة من أدوات النجارة وأنا نجار، وإن اتّفقنا بعتكم البضاعة ،وساعدتكم في صناعة سفنكم !!! بدا الاهتمام على الوالي ،وقال : السّلطان يشتري منك البضاعة ،ويدفع لك بسخاء ،لكن كيف يمكنك مساعدتنا ؟ قال :رأيت مراكبكم، وهي كبيرة وثقيلة ،ولن تصنعوا منها عددا كافيا .في بلدنا مراكب أصغر حجما لكنها قوية وسهلة الصناعة ،وستفاجئون بها أسطول عدوّكم !!! قال الوالي: لا أفهم كثيرا في أنواع السفن ،المهمّ أن يكون لدينا ما نواجه به عدوّنا ، لقد عيّنتك رئيس للّنجارين ،وسنذهب الآن إلى الميناء .لما وصلا، تكلم النّجار عن فكرته ،فاستحسنها القوم، وقالوا هيا إلى العمل ،فلدينا الآن ما يكفي من الخشب وأدوات النجارة ،فككوا الأخشاب التي كانت على السفن الكبيرة وبدأوا في صناعة واحدة أصغر حجما لها شراع ومجاذيف بعد عشرة أيام مرّ الوالي واندهش  لرؤية مراكب ذات أشرعة رمادية اللون كلون البحر، وعلى جوانبها صفّ من المجاذيف. لمّا لمحه النجار أتى إليه ،وقال: لقد أتممت عملي ،لم يبق إلا أن تضعوا خطة مناسبة !!!جاء قائد الجيش ،ورأى تلك المراكب، فقطّب حاجبيه ،وقال: هي جيّدة ،لكن لا يمكنها حمل عدد كبير من الرّجال، وسيتفوّقون علينا إذا التحمت السّفن معا في القتال  !!! كان النجار يستمع في أحد الأركان ،فتقدّم ،وقال هل يأذن لي سيدي في الكلام ؟ أجابه : هات ما عندك!!! قال:  أرى أن نفاجئهم في الظلام ، تقتربون بأقصى سرعة بفضل المجاذيف،ثم تلقون عليهم مشاعلكم المغموسة بالزّيت ،وترمونهم بالسّهام الملتهبة ،وتنسحبون بعد أن تشتعل النّيران في سفنهم . صاح القائد : خطة مدهشة لا تخطر على بال أحد . في الليل أبحرت المراكب،وإقتربت من العدو دون أن تصدر صوتا ،ثم زادت في سرعتها  ورمت نيرانها ، كان البحارة نياما ، إستيقظوا  في فوضى ،ورمى كثير منهم بنفسه في البحر ،ولمّا طلع الصباح كان كل شيئ قد إنتهى  .. سمع سلطان سرنديب بأمر الّتاجر البصري،فإستدعاه،وبالغ في إكرامه ، ثم أعطاه سفينة مليئة بخشب الصندل والأبنوس والأعشاب العطرية وقلادة ثمينة من اللؤلؤ  وأثواب الحرير هدية لبهيّة، وقال له ستكون كل تجارة الخشب لك وحدك .. ... 

 

 قصة بهيّة إبنة التاجر الجزء الثالث قمقم العطر الفضّي .... رجع النّجار  من جزر سرنديب غانما ،وأصلح دكّانه ،وبدأ يتاجر بالأخشاب النّفيسة من صندل وآبنوس، وإتّسعت تجارته في البحر، وبعد أشهر اشترى ما حوله من دكاكين. لما كثر لديه المال ،باع داره، وأسكن إمرأته بهيّة في قصر فخم وسط المدينة،وصار الناس يتحدّثون عن ثرائه ،بعد أن كان نجاّرا فقيرا في طرف السّوق . لمّا سمع عدنان بالنعمة التي أصبحت عليها إبنة التاجر زاد حقده عليها، وإمتلأت نفسه بالرّغبة في الإنتقام، ثم دخل حجرته ولم يبرحها سبعة أيام، وهو يفكر ،وقال في نفسه: لا أقدر أن أتلف تجارة ذلك النّجار ،فلقد عظم أمره ،لكن يمكنني أن أدسّ له شيئا فيمرض !!!  ثم طلب من أحد الخدم أن يذهب إلى السّوق، و يسأل عن عطار نصراني إسمه موسى ، و يقول له أنّ عدنان يريده في أمر فيه منفعة له . لمّا سمع االخادم  خرج من حينه يبحث عنه، وجاء به ، ولمّا استقر به المقام مع الفتى ،ودارت أقداح المدام و  ، حكى عدنان للعطار عمّا جرى ،فلمّا سمع حديثه قال: و الله إنّ أمر هذا النّجار شديد العجب !!!  ليته يكون لنا شيئ من حظه ،لكن كيف لي أن أخدمك يا سيدي؟! ما أنا إلا عطارلا قوة لي ولا حيلة، فردّ عدنان: ما ناديتك يا موسى، إلا لمّا سمعت أنك عالم بأسرار النّبات،  فأردت أن تصنع لي شيئا بمعرفتك، يتسلل إلى الجسم فيذهب  صحته ورونقه ، ثم أني أريدك أن تجعل رائحته زكيّة كالعطر، فلا يفرّق المرء بينه و بين الورد أو الياسمين . لقد اقسمت أن ينتهي بخت بهية ،ويمرض زوجها ،وتفسد تجارته ، ويرجعان فقيرين يأكلان اللقمة من عند أبيها  ،ستذهب إلى دكّان النجار وتتحايل عليه لتبيعه ذلك العطر ، وسأغرقك بالنّعم، وأعطيك من الذّهب ما يغنيك، وأولادك !!! فلمّا سمع العطار ما وعده به عدنان أغراه الطّمع ، و قال: لك ما أمرت يا سيّدي. أحضر موسى أعشابا سامّة ،وصنع منها عطرا زكيّ الرّائحة ،ولمّا فرغ منه ،وضعه في قمقم من الفضّة ،ثم تنكّر في هيئة بائع متجوّل، وملأ قفّة  بالعطور ،رماها على ظهره ، واتّجه إلى السّوق ،فصادف صعلوكا أحدب مرقّع الثّياب، فلمّا راى العطّار تجهّم وجهه ، وقال : بئس ما تفعله يا نصراني ،ايّ شرّ تضمر ؟ لتعلم أنّ الشّر إذا زرعته، يرتدّ على صاحبه بالسّوء ،وإن طال الزّمان ،ومضت الأيّام . لما سمع موسى كلام الصعلوك، قال في نفسه: صدق والله الرجل،و همّ بالرجوع ،لكّنه تذكّر وعود عدنان بالعطاء والنوال ،فواصل طريقه ،ولمّا إقترب من دكّان التّاجر صادفه صبييان يركضون، فصدمه أحدهم، ووقعت قفّة العطور على الأرض، وتناثرت القمائم  ،وكانت كلّها من نفس الشّكل والحجم .أمّا القمقم المسموم ،فقد تدحرج ،ودخل تحت جبّة شيخ جالس على حافّة الطّريق دون أن ينتبه له . أرجع العطار القمائم إلى القفّة ،وقال : الآن لا أعرف أيّ واحد منها يحتوي على السّم !!! فقد كنت أضعه في مقدّمتها ،والحلّ هو أن أبيعها كلها إليه ،لا بدّ أن أقنعه بشرائها ،وإلا ضاع الذّهب ،ومعه كلّ ما بذلته من جهد لصناعة ذلك العطر  ، تبا !!! ألم يجد الصّبيان إلا هذا الوقت ليخرجوا للعب ؟هل وجب عليّ أن أتعب اليوم ؟ وأخيرا وصل موسى أمام دكّان النّجار ،وبدأ يمتدح في بضاعته ،ويتملق ،حتى رضخ الرجل ،وقال له: حسنا، سأشتريها منك بنصف ثمنها ، هذا كل ما أقدر على دفعه ،هل أنت موافق ؟ لم يصدّق العطار نفسه ،وأجابه:  إنّها من أصناف متنوّعة من الأزهار ،أنصحك أن تجرّبها كلها ،لترى أيّها يناسبك ،وسأمّر عليك بعد أيّام، فلي الكثير منها !!! جلس النّجار ،وفتح القمائم، وشمّ ما بها من عطر ،فأعجبته كلها ،وقال في نفسه: إنّها غالية الثمن، وتساوي الكثير من المال ،لقد كانت حقا صفقة مربحة أمّا الشيخ فلما هم بالنّهوض، تعثرت قدميه بالقمقم المسموم  ،فأخذه ،ونظر يمينا وشمالا ،فشاهد قربه دكّان عطار يرصف بضاعته ،فقال: لا شك أنها سقطت منه ،فقام، ورماها في صندوق العطور ،و إنصرف ، ثم جاء التّاجر ،فأخذ القمقم ،ورصفه مع غيره، وهو يعتقد أنّه بضاعته !!! ... 

 

 

النصف الاخير. سحر العنكبوتة الذّهبية... في الصباح خرج عدنان إلى السّوق وذهب إلى دكان موسى ليسأله إن باع العطر للنجار ،ولما رآه العطار إبتهج وقال له لقد إحتلت عليه ،وبعته سلّة عطور وفيها القمقم الذي دسست فيه السم وقريبا سنسمع أخبارا جيدة !!! إبتسم إبن التاجر ،وقال له إن حصل ذلك سأغرقك بالذّهب ، فأنا ما زلت عند وعدي . قبل أن أنسى سأرسل لك أحد عبيدي لشراء عطر جيّد ،فأنا مدعوّ لعرس إبنة الوالي ،وأريد أن يكون شكلي لائقا فستحضر كثير من بنات الأعيان ، وأريد أن أثير إعجابهنّ ،ضحك موسى، وقال : ّعندي ما يجعل كل جواري البصرة يشتهينك في فراشهنّ  !!! لمّا وصل إلى الدار قال لعبده صفوان: إذهب إلى موسى ،وإحمل لي ل عطرا من عنده ،ولا تتأخّر. لكن العبد دخل إلى خان ،وأكل وشرب ، ثم قال في نفسه  لقد إمتلأت معدتي الآن ،وموسى لا يزال بعيدا . لكن من حسن الحظ أني أعرف عطارا بارعا في آخر الزقاق ،سأشتري منه شيئا مليحا ،وأعطيه لسيدي، ولن يفطن لشيئ ،ولا يبقى إلا أن أذهب للنوم قليلا ،فلقد شبعت اليوم ،وأحسّ بالتعب . لمّا وصل دكان التّاجر نظر بسرعة، فأعجبه قممقم فضّي عليه نقوش جميلة ،ولما شمّه تضوّعت رائحة المسك ،فإتشتراه ،ورجع إل القصر ،وهو يترنح من السّكر. ما لا يعرفه العبد أنّه إشترى العطر المسموم الذي سقط من قفّة موسى ،ورماه أحدهم في بضاعة ذلك العطار . في الغد إستحمّ عدنان وقصّ الحلاّق شعره ،وشذّب لحيته ،ثم لبس ثيابا غالية ،وطلب العطر ،فجاءه العبد باللقمقم ،ولمّا رآه قال له : دون شكّ إنّها صنعة موسى، فلقد رأيتها عنده !!! ولمّا وضع العطر على وجهه، أحسّ بالدّوار ،وبعد ساعة لم يعد يقدر على الحركة ،فصاح : ماذا يحدث لي ؟ لم تعد لي قوّة ،وأحسّ بالوهن في عظامي، في هذه الأثناء مرّ  المتسوّل الأحدب أمام النافذة ، وأنشد : يا  فاعل السّوء نويت الشّر والبليّة لبنت عمّك الأبيّة تجد أفعالك تنظرك في الثنيّة تراها جليّة لا النّدامة تنفع ولا الحسرة ولا دمعة على الخدّ نديّة ما زاد الدّلال الفتى إلا حمقا بئس الظالم حياته مادام حّيا لم يعرف أحد من أين خرج هذا الرّجل ، وأين ذهب ، لكنّ النّاس تدّعي أنّه يحذّر من موت مؤلم عقابا لمن يظلم خلق الله . سمع الحاج مسعود أبو عدنان بالخبر،فجاء يجري وظهر عليه الخوف لما حلّ بإبنه ،فأتاه بالأطباء ،لكن لم يعرف أحدا منهم علته ،حتّى جاء مشعوذ أبيض اللحية ،وسألهم ما هو آخر شيئ لمسه الفتى؟ أجاب العبد : أعتقد أنّه العطر يا شيخنا !!! شمّه  الرجل ،وذاقه بطرف لسانه ،ثم بصقه ،وقال لقد دسّ أحدهم سمّ العنكبوتة الذّهبية ،وبإمكانها أن تشلّ فرائس أكبر منها حجما، وتأكلها ،وليس له دواء !!! إنزعج عدنان، وقال: أحضروا موسى فهو الذي صنعه!!! بعد فترة وصل الرّجل، ولمّا شاهد حال الفتى تحيّر،ولم يفهم كيف وصل إليه القمقم ،لكنّه قال له : لا تقلق ،فلن يدوم مفعوله سوى بضعة أيّام ،فلم أضع سوى  قدرا يسيرا من سمّ عنكبوته صغيرة ، الحمد لله لم أسمع كلامك، وإلا لشلّ أيضا  لسانك وعيناك !!! غضب عدنان، وقال: ويحك حاولت خداعي ،والعبد أيضا إستغفلني ، سترون ما أفعل بكم أيّها الأوغاد !!! قال له أبوه: عليك أن تحمد الله أنّ العطار فكّر بعقله ،ورحمته بالنّجار هي التي أنقذتك  !!! لكنّه ردّ : لما أشفى سأجلد ذلك العبد ،وأرسل من يتلف بضاعة ذلك العطار ،أما بهية وزوجها ،فسأتولى أمرهما حتى أشفي غليلي منهما . عاتبه أبوه وقال : لقد ظهر الأحدب تحت نافذتك ،وأنا أخشى عليك ،فهذا الرّجل لا يحمل إلا ،الموت .لكن عدنان أجاب :منذ متى تأمن بالخرافات يا أبي؟ ما هو إلا رجل مجنون يهذي من البرد والجوع ،ولو رمينا له رغيفا لقبّل الأرض تحت أقدامنا . صمت الأب ،وقال في نفسه :سأبحث له عن جارية جميلة تنسيه بهيّة ،فأمور هذا الفتى لم تعد تعجبني ... ... 

 

 

 قصة بهيّة ابنة التاجر الجزء الخامس.. الحلم الغريب .... بعد أيّام تحسّنت صحّة عدنان ،وأصبح قادرا على المشي ،فأمر بالعبد صفوان، فجيئ به مقيّدا ،فأخذ سوطا ،وضربه حتى سلخ جلده ،وكاد أن يقتله لولا أن سمع الحاج مسعود صياحه وجاء لإنقاذه ، كان العبيد ينظرون لما يجري ،وقد إستبدّت بهم الدّهشة من جنون عدنان الذي كان يصرخ :سأقضي  على من لا يسمع كلامي !!! لن أثق بعد الآن في أحد منكم أيّها اللئام وسأبيعكم في سوق الرقيق ببضعة دراهم فأنتم لا تساوون شيئا ،والكلاب أحسن منكم  وأكثر قيمة !!! في المساء لمّا همّ موسى بإغلاق دكانه ،دخل ثلاثة صعاليك ،وقلبوا قماقم العطر، فسالت على الأرض ،وهشّموا الأواني التي يقطّر فيها الأزهار .ولمّا حاول أن يمنعهم أشبعوه ضربا، وبصقوا عليه .وحين انصرفوا تحسّس الرّجل  الدّماء على رأسه ، وقال : أعلم من فعل ذلك ،وسأجعله يدفع الثّمن،  بعد قليل سمع  التّجار من لنّصارى بما حلّ بالعطار، فجاءوا إليه، وضمّدوا جرحه .إستراح الرّجل قليلا ،ثم قال :لقد بدأ عدنان الحرب ،وحقده على بهيّة سيعود عليه بالوبال . في الليل حلمت بهيّة حلما عجيبا ،ورأت أنّها تقف في الزقاق أمام دكّان النّجار ،وقد إشتدّ البرد، ورأت السّوس يأكل الخشب النّفيس ،ولكثرته كان يخرج من الباب والنوافذ ،ويصعد في الحيطان . لمّا استيقظت من النوم أخبرت زوجها ،فقال :لا أفهم معنى ذلك ،وقد يكون مجرّد حلم !!! لكن بهيّة رأت نفس الشيئ ثلاثة ليالي متتابعة، وفي اليوم الثالث ،قال النّجار: هذه السّنة لن أشتري الصندل والأبنوس، بل حطبا وصوفا ،كأنّ هذه الرّؤيا رسالة لنا من السماء ،سأخرج صدقة لفقراء المدينة ،وأرمّم الجامع ،اللهمّ اجعله خيرا ،واهدينا لما فيه طاعتك !!! أمّا عدنان ،فألح على أيه ليعطيه مالا ،ويبدأ تجارته، فرح الشّيخ مسعود وسأله ماذا تنوي أن تشتري إن شاء الله ؟ أجابه : الأخشاب النفيسة يا أبي !!! وسآتي بها من كل مكان:  الواق واق والهند وبلاد الزّنج . قال مسعود :لكن النّجار يمسك السّوق، وحرفائه كثيرون !؟ إبتسم عدنان، وقال: سأبيع بنصف الثمن، وأحطّم تجارته ،فنحن أكثر مالا وقوافلنا تجوب البلدان، ولن يأثّر رخص اثمان الخشب علينا ،في حين سيفلس ذلك النجار اللعين ،ويرجع كما كان معدما ،ولما يصبح السوق لي وحدي سأضاعف ثمن الأخشاب ولن يبيعها غيري !!! هزّ الشيخ رأسه ،وقال: في نهاية الأمر ستصرف مالك ليس للرّبح ،لكن للإنتقام ،سأعطيك ما تريد، لكن على شرط أن لا تطلب مني شيئا بعد ذلك ،فستأخذ نصيبك كاملا وزيادة ،هل فهمت يا بنيّ ؟ أجاب الفتى: نعم يا أبي ،سترى كيف سأصبح شهبندر التّجار ،وأتفوّق عليك في الرّبح !!! إشترى عدنان الأخشاب، وأنفق فيها الأموال الطائلة، وإكترى المخازن وملأها ، وقال في نفسه :الآن سأغرق السّوق ،وما عليّ إلا أن أنتظر بيع النّجار لدكاكينه ،وسأشتري كل ما يملك ،حتى القصر الذي يسكن فيه .لكن لم تمض أيّام قليلة حتى برد الطقس ،وإشتدّت الرّطوبة في مخازن الصّندل والأبنوس ،وكثر السّوس، وبدأ في أكل تلك الأخشاب.ولمّا علم عدنان ،جنّ جنونه ، وحاول بيعها ،فلم يرغب أحد في شرائها منه ،وفي الأخير باعها كحطب، وخسر مالا عظيما . أمّا النّجار فلقد تضاعفت ثروته من بيع الحطب  والصّوف .ولما إنتهت أيّام الصّقيع ،لم يعد أحد يقدر على الإقتراب من عدنان الذي تغيّر لونه ،وساءت طباعه من شدّة القهر ،وصار يتهرّب من أبيه الحاج مسعود ،لكي لا يسأله عمّا فعله بالمال .. ... 

 

 حكاية  بهيّة ابنة التاجر الجزء السادس والاخير ثأر للنّهاية .... فكّر عدنان، وقال : يجب أن أعوّض الخسارة التي أوقعت فيها نفسي ،ولا مفرّ من السّطو على سفن زوج بهيّة التي تنقل الصندل والأبنوس !!! لكن قبل كلّ شيئ سأدسّ أحدا مع بحّارته ،لينقل إليّ أخباره ، وأعرف الطرق التي يسلكها . المشكلة لم يكن معه مال كاف لشراء سفينة قوية ،وجمع البحارة ،فتسلّل خفية إلى أين يواري أباه ماله ،وأخذ صندوقا من الذهب ،وقال في نفسه :لم أتعوّد أن أمد يدي لرزقك يا أبي!!! لكن لتسامحني،هذه سلفة ،وسأرجعها لمّا أحصل على الأخشاب النفيسة . بعد أيّام جاءه البحّار الذي دسّه ،وأعلمه بالطريق ،وأوصاه بإنتظارهم قرب جزيرة جبليّة ،وأن يجعل منها قاعدته ،وبعد شهر نادى عدنان كلّ ما سمع به من لصوص وصعاليك ،وقال لهم: معي ستربحون جيدّا ،ولن يعترض سبيلهم أحد ،ثم جاء الفتى لأبيه ليودّعه ،ويخبره بأنّه سرحل بمركبه لجلب الخشب بنفسه، لأنّ أصحاب المراكب يأخذون مالا كثيرا ،فرح الأب ،وقال:  الحمد لله ،إذا لقد ربحت، لتقدر على شراء سفينة !!! صمت الفتى ،ثم ردّ :سيكون لك نصيب من تجارتي ،فأنا أردّ دائما ما آخذه ،حكّ العجوز رأسه، ولم يفهم ما قصده إبنه ،وقال له : هل تريد أن أرسل معك الّربان قاسم البصري ؟ فهو عالم بالبحار ،لكن عدنان أجابه: لا تقلق يا أبي، معي أكفأ البحارة ،وقريبا ستسمع كلّ بلاد الشّام بإبن الحاج مسعود أغنى التجار !!! أجاب الأب : هذا والله ما أشتهيه ،فلقد كبرت ،وحان الوقت لتحلّ مكاني ،لقد فكّرت في ذلك لكن أردت الأوّل أن أرى شطارتك ،ولمّا ترجع بالسّلامة سنتكلم في الموضوع ،أمّا الآن ليحفظك الله ،فركوب البحر ليس هيّنا ،لكنّك ستتعوّد ،وتتعلّم من رحلاتك كلّ ما ينقصك من دهاء ،وبراعة في البيع والشراء . بينما كان عدنان يقترب من السّفينة ،شاهد الرّجل الأحدب يصعد على متنها، فصاح برجاله: أبعدوه من هنا !!! لكنّه إختفى فجأة ،وبعد ساعة من البحث ،قالوا للفتى : هذا غريب ،لم نجد أحدا ،لعله نزل ولم نره، أحسّ عدنان بالإنزعاج لمّا تذكّر قول أبيه حول  ذلك الشّخص ،لكنّه في النهاية ضحك ،وقال :لو ظهر مرّة أخرى لأرمينّه في البحر ،وأستمتع برؤية الأسماك تنهش في لحمه وعظمه . لم يمض وقت طويل حتى وصلت السّفينة إلى الجزيرة ،وإختار القوم كهفا كبيرا لملئه بالأخشاب والبضائع المسروقة ،فليس من الحكمة أن تصل إلى الشام مرّة واحدة ،لكي لا يتعرف عليها أصحابها ،وصعد أحد الرّجال إلى قمّة الجبل ليرى هل جاءت سفينة النّجار ؟وفي الغد رأوا من بعيد مركبا كبيرا ،فصاح عدنان: إنّه ذلك اللعين ،هلمّ بنا نفاجئه قبل أن يعلم بنا !!! ولمّا أصبحوا على مسافة صغيرة منه ،إكتشفوا أنّه مركب السّلطان ،فقال: عدنان :إرجعوا بسرعة ،لكن اللّصوص ،قالوا : إنّه غنيمة لنا سنستولي على المركب ،وما عليه ،ونطلب فدية كبيرة للإفراج عن السلطان ، كان هناك عدد كبير من الجنود ،ودارت معركة شرسة ،وبدأ الجنود يتقهقرون أمام اللصوص الأقوياء لكن في تلك الأثناء ظهر مركب آخر في الأفق . كان النّجار زوج بهيّة ينظر للبحر، ورأى ما يحدث، فصاح في بحّارته : خذوا السّيوف يجب أن نساعد هؤلاء المنكوبين ،هيّا  إلى الهجوم!!! لمّا وصل هذا المدد الغير متوقّع ،قويت قلوب جنود السّلطان ،وطاردوا اللصوص الذين وجدوا أنفسهم محاصرين ،فرجعوا بسرعة إلى مركبهم الذي بدأ يحترق من كثرة المشاعل التي أصابته ،وقاتل النّجار بشجاعة ،وهو لا يعرف أن المركب الذي أنقذه كان فيه السّلطان وزوجته وإبنته ،وبعد إنتهاء المعركة ،جاء إليه ،وشكره على شجاعته ،وقال له :أريدك أن تكون من الحاشية، وسأعيّنك وزيرا في مملكتي . ولمّا عرف  عدنان أنّ من أنقذ السّلطان، وأحرق مركبه هو النّجار غريمه ،زهد في الحياة ،ولم يهرب مع بقيّة اللصوص في القوارب ،وقال لهم بحزن : أتركوني لأغرق مع مركبي !!! وقبل أن ينزل الفتى إلى الأعماق، إلتفت فجأة، فرأى الرّجل الأحدب ينظر إليه ،ثم قال :أنا فعلك السّيئ، ولقد ظهرت لك عدّة مرّات لتتوب ،والآن ستهلك وأكون رفيقك في القبر ،صرخ عدنان صرخة عظيمة ،ورفع يديه إلى السّماء، وقال: يا ربّ سامحني ،لقد صدق أبي، ورجع عليّ الحبّ بالوبال، اللعنة على بهيّة، وبنات حواء  !!!  ثم ساد الصّمت إلا من همهمة الأحدب القبيح الوجه،الذي أنشد : يا إبن آدم !!! ويحك إن كان الشّر دأبك تنتهي أيّامك ومن الدّنيا تفنى لا تأخذ سوى سلّة أفعالك فلو خفّت حسناتك فماذا ستضع أمام ربّك يوم الدّين في ميزانك ؟ إنتشر خبر غرق عدنان في المدينة كالنّار في الهشيم، وبمجرد أن سمع النصارى في السّوق ، وعلى رأسهم موسى العطار  بموته أحرقوا ما بقي عنده من مخازن ، وقاطعوا بضائع أبيه  ،حين علم الحاج مسعود بتلك الأخبار السّيئة ،بكى من شدّة القهر ،وصرخ :كلّ ما حصل لي بسبب بهية ،ضاع مالي،ومات إبني الوحيد ،وساء ذكري بين الناس ،لو قبلت به ،لكان لا يزال حيّا !!! سترين ما أفعله بك يا بهية يا إبنة التاجر  .. ... إنتهت اذا اتمتت القراء صلي على الحبيب محمد

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-