قصة واقعية كنت أعمل لدى رجل أعمال معروف
في نهاية التسعينيات من القرن المنقضي كنت أعمل لدى رجل أعمال معروف يمتلك مجموعة من المطاعم الشهيرة، توطدت علاقتي به بعد فترة وجيزة من انضمامي للعمل حتى أصبح يثق بي تماما وسرعان ما تمت ترقيتي أكثر من مرة حتى أصبحت أدير مجموعة المطاعم إدارة كاملة بصلاحيات واسعة، حيث كان يعمل تحت إدارتي مئات العمال والموظفين، كل هذا وأنا لم أكن قد أتممت بعد عامي الخامس والعشرين.
كان كل شيء يسير على ما يرام حتى ذلك اليوم، في نهاية الوردية المسائية كنت أتفقد المطعم كعادتي إلا أنني لاحظت وجود فتاة من العاملات تقف مرتبكة وازدادت ارتباكا عندما رأتني وهمت مسرعة بالانصراف وبتفتيشها وجدتها تخبئ في حقيبتها بعض المأكولات والعصائر فما كان مني إلا أن أمرت بفصلها من العمل مع حرمانها من باقي مستحقاتها لأنها سرقت.
ولم تفلح توسلات الفتاة ولا دموعها ولم تجد وساطة العاملين ولا مبرراتهم بأنها فتاة صغيرة يتيمة الأب تعمل كي تنفق على والدتها المريضة على الرغم من أنها ما زالت تدرس بالمرحلة الثانوية، لم يحن قلبي أبدا حيث إنني مستأمن على ذلك المال وظننت انني فعلت الصواب بل وأسرعت للاتصال بالسيد شريف صاحب العمل لإخباره بما حدث متوقعا إشادة واسعة ومكافأة مجزية إلا أنني وجدت الرجل كما لم أراه من قبل، كان ثائرا غضبا يوبخني بشدة وقطع إجازته.وفي صبيحة اليوم التالي اجتمع بجميع العاملين والعاملات وحثهم على الأمانة والحفاظ على مصدر دخلهم وأمر بزيادة مجزية جدا في راتب كل العاملين وإعادة الفتاة إلى عملها مع منحها وجبتي عشاء لها ولوالدتها يوميا عند الانصراف.
لا أخفي عليكم أن موقفة أشعرني بكثير من الإحباط حتى قررت تقديم استقالة مسببة فما كان منه إلا أنه مزق ورقة الاستقالة وقال لي يا بني سأقص عليك قصة شاب كان يعمل على عربة كبده واستأمنه صاحب العربة على ماله فصانه حتى ازداد المال واشتهرت العربة وتضاعف الإيراد أضعافا مضاعفة بفضل ذاك الشاب وكفاءته في العمل إلا انه وعلى الرغم من ذلك كان لا يملك إلا راتبه القليل فقط بينما كل تلك الأرباح تذهب لصاحب العربة ,بدأ والد الشاب يمرض ويحتاج إلى مصاريف علاج كثيرة لم يقدر عليها وحدة وهنا دخل الشيطان مدخله ولعب برأس الشاب كي يقتطع جزءا من الربح اليومي دون أخبار صاحب العربة وبعد مقاومة شرسة نجح إبليس في مخططه اللعين وفعل الشاب ما فعل، لكن أراد الله له ألا يتمادى في طريق الباطل فعلم صاحب المال بفعلتة، كان من الممكن ان يسجنه أو على الأقل يطرده من العمل إلا انه وفي موقف غريب سأله عن صحة والده وأعطاه ما يكفي لعلاجه ثم امر ان يصبح الشاب شريكا له في العمل بمجهوده وبكفاءته وبحب الناس له، ثم نظر لي السيد شريف طويلا وقال هل تعرف من يكون ذلك الشاب؟ إنه انا ! يا بني إن الله يستر العبد إن عصاه ثم يستره إن عصاه ثانية ثم يفضحه إن أصر على المعصية فكن ستارا يسترك الله ويسخر لك من يسترك فكلنا عيوب ونحتاج الستر.
بعدها بعام هاجر السيد شريف إلى أستراليا وعلمت بوفاته بعدها. اما الفتاة فالتقيتها بعد ثلاثة أعوام صدفه فى حفل عرس وأخبرتني انها التحقت بكلية الطب البشري وربما هي الآن طبيبة عظيمة وأم لأسرة جميلة وربما أيضا تصبح سببا لإنقاذ حياتي يوما ما.
انه الستر يا سادة تلك الفضيلة المنسية في زمن "السوشيال ميديا"، فكفانا تعقبا لفضائح الآخرين وكفانا قسوة في أحكامنا ولنتذكر تلك الأبيات الرائعة للإمام الشافعي.
لسانك لا تذكر به عورة امرئ... فكلك عورات وللناس ألسنُ
وعيناك إن أبدت إليك معايبا.. فدعها وقل يا عين للناس أعينُ
وعاشر بمعروف وسامح من اعتدى..ودافع ولكن بالتي هي أحسنُ....
مقالة الاستاذ الصحفي محمد دويدار بروزاليوسف بعنوان الفضيلة المنسية راقت لى كثيرا فأحببت ان تستمتعوا بقراءتها.