جديدنا

قصة واقعية كان يعمل كحارس ليلى في الميناء.

 قصة واقعية كان يعمل كحارس ليلى في الميناء.


كان يعمل كحارس ليلى في الميناء.. في بداية عمله، خيره صاحب العمل أن يعمل نهارا أو ليلاً...فإختار العمل ليلاً لحبه للهدوء، ومن ناحية أخرى الليل تسكن فيه الحركة داخل الميناء من العمال ولا يخلو إلا من بعض مخلصين الجمارك التي أضطرتهم الظروف وبُعد منازلهم أو تأخر إستلام البضائع إلا من هذا الوقت. ولكنهم قلة، وكان يقول دائما الليل جميل ما احلاه خصوصا عندما يهدأ المكان، وينبعث صوت المذياع الصغير خاصته وهو يستمع إلى المسلسلات أو صوت أم كلثوم..أو برنامج حلقات الرعب الذي كان يعشقه وكان تسليته كل أسبوع.
كان طوال عمره يتمنى أن يلتقي جني..نعم كما قرأتم بالفعل كان يتمنى أن يلتقي جني ويتحدث معه ويطلب منه الخلاص.
الخلاص من معاناته وفقره المضجع كان يتخيل أنه سيسخره ويجلب له الأموال بمجرد أن يأمره وسيصبح الجني عبداً عنده، يفعل معه ما يحلو له ويجلب له الكثير من الأموال أو يجعل الفتاه التي يحبها تحت أمره وطوعه، ويستطيع أن يؤدب والدها الذي رفض طلب الزواج منها لمجرد إنه فقير ومجرد حارس معدم.
كان المسلسل والكتب الذي يقرأها عن عوالم الجان تجعله يتشبث بحلمه أكثر وأكثر وكان يعتقد إنه سيقابل الجني قريباً.
كان ينتظر كل شهر الراتب على أحر من الجمر لينفقه على أحدث الكتب التي تتحدث عن كيف تقابل الجان، وعالم الأرواح وخلافة من الكتب التي تنتمي إلى هذا العالم الخفي السفلى، حتى أصبح عنده مكتبته الخاصة وعالمه الخاص.



توقفت دنياه وحياته وأحلامه على هذا الأمل الذي سيحقق منه كل اماله في الحياة، عالم المال، بطريقة سهلة وبسيطة،وهي تسخير الجن لحسابه وبعدها تتدفق الأموال.
ذات ليلة وهو غارق في تفكيره في عالمه الخاص يقف على رصيف الميناء وكان يرتكن بيديه على إحدى صناديق البضائع ويستمع إلى المذياع ككل ليلة شعر بهواء بارد خلف أذنيه، ثم سمع صوت ارتطام جسم صغير بالماء، وكانت ليلة باردة مظلمة حيث الظلام يلتف حول الميناء.
على الفور أخرج المصباح الكهربائي من سترته ووجهه حيث الصوت الذي سمعه، ليجد زجاجة تطفو فوق الماء وبداخالها رسالة، تطل من مقدمة الزجاجة، وضع يده جاهدا داخل الماء والتقط الرسالة بيد مرتعشة.
عندما أمسك بالرسالة ازداد الهواء خلف أذنيه ولكن الهواء هذه المرة كان ساخنا، مما جعله يتردد في فتح الرسالة.
ولكنه أدرك إن الموضوع جد خطير، مد يده المرتعشة وقلب مرتعش ايضا وهو لا يدري ما هو سبب كل هذا الخوف.
إستجمع قواه وفتح الرسالة فأنبعثت منها رائحة كريهة تحمل الرائحة والفضول يقتله ليعرف فحوى الرسالة الغامضة، كان لون أوراقها يميل الي اللون الأصفر ومكتوب فيها بخط غريب باللون الأحمر ولكنه يقرأ بصعوبة.
لم تقوى يداه على فتح الرسالة، يبدو أن هناك قوى تمنعه من ذلك.
شيء خفي لا يعلمه، شيء داخله يمنعه لكنه قرر في النهاية أن يأخذ الزجاجة كما هي.




تلفت يمينا ويساراً فوضع الزجاجة داخل سترته وتحسس مكانها وتأكد من وجودها بجانب قلبه.وأكمل عمله لكنه في هذا اليوم أيقن أن وضعه اختلف. لم يعد كما كان.
بعد أن كان حارس في الميناء أصبح يبحث عن أحد يحرسه.أصبح يشعر بإستمرار أن أحد يتبعه كظله ويشتم رائحة كريهة، وكأن الرسالة التي معه استلمها من سنين رغم أنه استلمها منذ دقائق قليلة، بمعنى أوضح فقد الزمن.
استجمع قواه ودلف إلى الحجرة التي يستبدل فيها ملابسه ليستجمع قواه ويحتسي كوبا من الشاي لعله يرجع إلى صوابه.ارتمي بجسده بجانب عم سلامة الذي يعمل غفير ليلي في نفس المكان رجل ضخم ذو شارب مفتول يغزوه المشيب.رحب به سلامة واعد له كوب من الشاي وأصر أن يحتسيه إلا إنه لم يشعر بوجود الرجل مع إنه كان يجلس بجانبه.إلا أنه قام من مكانه على الفور ليترك مكان حراسته ودون أن يستبدل ملابسه أطلق لقدميه العنان.غير أن عم سلامة فرح إنه قام من جانبه.بالطبع فكانت تنبعث منه رائحة كريهة كرائحة القبر.
كان يجري دون توقف.كان يشعر أن ظل يجرى خلفه بنفس سرعته ونفس الهواء الساخن خلف أذنيه.. توقف وتحسس الرسالة فوجدها في مكانها فاطمئن ونظر خلفه لم يجد شيء فوضع يده في جيب الظلام فلم يرى شيء رغم أن الميناء به أنوار.
استمر في العدو حتى وصل إلي أول الطريق الأسفلتي فأشار إلى حافلة تأتي من بعيد فتوقفت أمامه تماما استقلها مسرعا دون أن يسأل عن وجهتها..سأل السائق أين يمكنه الجلوس.. قال له في أي مكان يحلو لك.. نظر إليه بتعجب لأن الحافلة ممتلئة عن آخرها.. ولايوجد مكان، هنا أدرك أيضا أن شئ غريب يحدث له لأن الحافلة بالفعل فارغة ولكن هو الوحيد الذي يراها هكذا...مما اضطره إلى الوقوف..فنظر إليه السائق في المرآة التى أمامه في استغراب..ولم تمضي عدة ثواني حتى صرخ في السائق ويطلب منه التوقف بسرعة.. فقد رأى كل ركاب الحافلة تتحول الي رؤوس كلاب واخذت تنبح عليه.. لم ينتظر حتى تقف السيارة وألقي بنفسه بخارجها وهي مسرعة، فوقع وتدحرج بشدة فسقط في منتصف كوبري قريب من المنزل الذي يقطن فيه.
استند براحتيه على الكوبري وأخذ ينظر إلي صفحة الماء وراح يغط في تفكير عميق.. وهنا أدرك أن الزجاجة التي في جيب سترته لعلها تكون سبب فيما يحدث له منذ أن أخذها عند المرفأ.. استجمع نفسه وألقي بها من أعلي الكوبري وأطلق لقدميه العنان عائداً إلي منزله.




صعد السُلم مسرعا حتي وصل إلى غرفته في أعلي البناية التي يسكنها في في الطابق الأخير وهي غرفة واحدة فوق سطح منزل قديم في حي شعبي حتى أن الحمام خارجها.
أثناء صعوده شعر كأن الظل يجري ورائه..فقال في نفسه إذاً الزجاجة ليست السبب فما زال الظل يطاردني إلا إنه أدرك أنها السبب لأنه وجدها على سطح المنضدة بجانب كتب الجان التي يعكف على قراءتها باستمرار..مد يده ليأخذ الرسالة حتى يلقى بها مرة أخرى من النافذة..شعر إن جدران الغرفة تضيق عليه وكان يشعر باقتراب الظل خلف أذنيه تماما، ويشعر به يلامس ظهره رغم أنه يستند بظهره إلى صندوق خشبي كبير يشبه صناديق الميناء فهو من جلبه إلى حجرته ذات ليلة..حاوطه الظل من كل جانب وتسارعت أنفاسه واحس بانفاس أخرى تقترب منه والرائحة الكريهة تقترب اكثر واكثر من وجهه.
رأي كتبه تطاير من حوله في دائرة منتظمة وتتساقط منها الكلمات على الأرض محدثة صوت كالحجر عندما يلامس سطح الماء، شعر بالماء تحت قدميه ويتصاعد إلى أعلى حتى وصل إلى صدره ثم أنفه أخذ يتنفس بصعوبة.
ثم وجد الزجاجة طافية على وجع الماء وبها الرسالة التي لايعرف ما بها حتى هذه اللحظة.. مد يده ليفتح الرسالة.. شئ ما جذبه إلى قاع البحر أسفل رصيف الميناء.
وفي الصباح تجمع الناس حول جثته التي انتشلها غفر السواحل من البحر ووضعوها على رصيف الميناء.
وعندما قام المحقق بتفتيش ملابسه وجد الزجاجة وبها الرسالة..وكانت تنبعث منها نفس الرائحة. أخرج المحقق منديلاً ووضعه على أنفه.. وقرأ الرسالة..
انتحرت بكامل إرادتي لأنني لا أقوى على ضغوطات الحياة.

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-