جديدنا

قصة ماقبل النوم غُربَةُ الجيل

قصة غُربَةُ الجيل مؤثرة جدا 





 غُربَةُ الجيل "1"


-لن يطول غيابي  أعدكِ يا ندى الروح بذلك ! 
- أرجوك يا زياد لا تغب عني ، ليس هناك ضرورة لسفركَ وغربتكَ هذه ! 
- كيف تريدين مني أن أبقى في هذه الأرض القاحلة التي أصبح سكانها بلا ضمير و رائحة  أزهارها التي كانت تفوح في كل مكان أصبحت رائحة بارود حتى أننا حرمنا  سماع صوت زقزقة العصافير في الصباح ولا ننهض إلا على أصوات المدافع والرصاص ! 
كانت بلادنا ربيعاً يا ندى ولكن الآن وبعد أن أخذت الحرب أوزارها لم يعد هناك ربيع . . . تدمر كل شيء!  
- زياد هل ستتركني هنا في وسط هذا الدمار وتذهب إلى ربيع آخر ! 
- كُتب لنا هذا يا ندى الروح ، الغربة قطعة من جهنم ، صدقيني ليس هناك ربيع في مكان انتِ لستِ فيه ! 
- زياد أجبني وبصراحة ، هل سيطاوعك قلبك للابتعاد عني ؟!
- انظري إلي جيداً . . . لا مكان لقلبي إذا لم تسكنه ندى ... انتِ تعلمين جيداً أنكِ وضعتِ قنبلة مؤقتة في قلبي وقمتِ بضبطها ولن يفتح شفرة هذه القنبلة غيركِ ، وإن حاولت أن أفتح الشفرة انا فسوف تنفجر ! 
لو لم أكن ذاهباً إلى الدراسة لأخذتكِ معي ! 
- العلم العلم ماذا تريد بالعلم يا زياد وانت في بلد كهذا ! 
- قد يكون معك حق ولكن إذا توقفنا عن طلب العلم واستسلمنا للحرب وخضعنا لمشعلي نار الفتنة . . . هل سننهض ؟! 
لن ننهض أبداً ! 
صحيح  الحرب لم تجعل للجامعات أبواب ولا للمدارس أصوات ، توقف كل شيء! 
ولكن نحن من يجب أن نفتح هذه الأبواب وأن نعلي اصوات المدارس عالياً ! 
- ومتى سيكون ذلك ؟ انت الآن ذاهب ! 
- من المؤلم يا ندى الروح  أن  ترحلي عن بلدكِ إلى بلد آخر لآخذ العلم ! 
وأشد الآلآم هو أن تدركِ أن العلم هُزم من قبل الجهل ، طغى الجهل على أفراد المجتمع ! 
لا أعرف إلى الآن ما سبب الحرب التي أشتعلت في بلادنا !
أصبحنا نجتر خلف أفكار لا يستوعبها أي إنسان عاقل ! ولكن هذه الأفكار فرضت علينا بالقوة ! 
دعيني اخبركِ عن نتائج الحرب ! 
كل الأطراف  المتنازعة في الحرب يعلمون أن معادلة الحرب لن تكون أنهيناهم أو أنهونا بل ستكون المعادلة أنتهينا معاً ! 
نحن لسنا إلا أدوات مستعملة لتجار حروب ! 
ما يجعل قلبي ينزف دماً هو تفاهة الناس ، الحرب التي ببلادنا ما هي إلا نقاش حاد حول أفكار ومعتقدات أُتخذت المدافع لساناً ، والرصاص لغة حوار !
تجار الحروب أستطاعوا أن يصنعوا منا أدوات ! 
أعذريني يا عزيزتي على هذا الفراق ولكنني سأعود وسيكون يوم عودتي يوماً جميلاً انا متأكد من ذلك ! 
سنزرع من جديد ونبني من جديد 
ونعمل جاهدين لبناء أمة لا تفرقة فيها  ولا طوائف ! 
- آمل ذلك ، لا تنسَ يا زياد أنك تركت عروساً تحيك فستان زفافها خيطاً خيطا ،ً بإبرة الانتظار والدعاء.


غُربَةُ الجيل "2" 


-لا تقولي لي لماذا لم تكتب كل شيء يا زياد ، عن حياتك في أوروبا ،وعن دراستك ، والمجتمع الغربي ! 
 
لم استطع أن أكتب كل شيء ولكن سأكتفي بالآتي . . .
بعد رحيلي يا ندى الروح من أرض الوطن لا أعلم ما الذي حصل لي ضاق حالي والأرض من مشرقها إلى مغربها لم تسَعْنِي ، كل الأماكن والأبواب أُغلِقت في وجهي ماعدا باب واحد ...
هو باب الوطن ! 
كم كنت اتمنى الخروج من أرض الوطن، ولقد كنت أتصور أني إذا خرجت من أرض الوطن أني سأكون في جنة المأوى وأني سأجد سدرة المنتهى !
 
حاولت مراراً وتكراراً وانتِ تعلمين ذلك ، إلى أن نجحت محاولاتي وخرجت من أرض الوطن ولكني عندما خرجت ندمت كثيراً ، فمكان نشأتك يختلف عن المكان الذي تقيم فيه ! 
فتراب الوطن غالِِ والله يا ندى  . . . وصدق الشاعر عندما قال : بلادي وإن جارت عليّ عزيزةٌ    وأهلي وإن بخلوا عليّ كرامُ ! 
سأخبرك عن قصة رائعة  لسيدنا سليمان عليه السلام مع النسر  !
قال نبي الله سليمان للنسر : يا نسر خذني إلى أجمل مكان تراهُ العين !
أخذه النسر إلى صحراء وأرض قاحلة ! 
قال سليمان عليه السلام : عجباً ! أتزعم أن هذا المكان هو أجمل مكان رأتهُ عينك ! 
قال النسر : نعم يا مولاي فهو المكان الذي ولدت فيه ! 
وهذه الحقيقة يا عزيزتي ، الإنسان مهما خرج وجال بلدان العالم وشاهد جميع الحضارات والثقافات إلا أن مكان ولادته ووطنه هو الأفضل بالنسبة له ! 
المهم يا عزيزتي لقد أكملت دراستي وبتقدير ممتاز  والحمدلله ،  وإني أنوي أن أكمل الدكتوراة ولكن أحببت أن أبعث إليكِ هذه الرسالة فلقد كنتِ تصرين عليّ كثيراً بأن اشرح لكِ معيشة الغرب وما الفرق بيننا وبينهم ! 
أقول لكِ وبكل صدق وصراحة : الغرب أفضل منا  !!
ولكن بفضلنا اصبحوا أفضل منا ، الغرب ليس لديهم حضارة نحن من علمناهم أساس بناء الحضارات ، يقول الطبيب والباحث  روبرت برفولت: ( ما من ناحية من نواحي تقدم أوروبا وإلا وللحضارة الإسلامية فيها فضل كبير وآثار حاسمة لها تأثير كبير) . 
هذا إن كنا نتكلم عن الحضارة فالغرب ليسوا أفضل منا ولكن نحن تركنا حضارتنا وهم أخذوا جزءاً منها وعملوا بها ! 
العلم !
كثيراً ما كنتِ ترددين هذه الكلمة على شفتيكِ ! 
العلم العلم ماذا تريد بالعلم يا زياد! 
العلم أساس بناء الأمم يا عزيزتي ، العلم ليس سهلاً يا عزيزتي ، أجزم يأن العلم هو أكبر همِِ يواجهه الإنسان  في حياته ولكن كلما أُقفلت في وجهكِ المسائل وواجهتي بعض العوائق والتحديات وانتِ في طريق العلم تذكري دائماً أن العلم أولاً من أجل الله وفي طاعة الله ثم من أجل الوطن، فالعلم يحلو مُرهُ إن كان من أجل الوطن .
لا تَنسَي ذلك !
وإن قارنا بيننا نحن والغرب في العلم وبهذه أيضاً أريد أن أخبركِ أنه لولا العرب والمسلمون لما كانت أوروبا بهذا الإزدهار... دعيني أخبركِ عن ما قاله كريستوفر داوسون في كتابه ( أوروبا والمدنية الأوروبية ) : (أخذت أوروبا الغربية عن العرب الأصول العلمية وكانت الحركة العلمية في العالم لأكثر من أربعة قرون بأيدي الشعوب الإسلامية ويرجع الفضل إلى الإسلام نفسه) .
هذا هو الفرق أو كما قال العالم الكيميائي المصري  الكبير  أحمد زويل ، :( الغرب ليسوا افضل منا ولكنهم يساعدون الفاشل حتى ينجح ونحن نحارب الناجح حتى يفشل ) 
هذا هو الفرق يا عزيزتي . 
أعرفكِ كثيرةَ الأسئلة ومن المؤكد أنكِ ستسألين  كيف عرف الغرب حضارتنا وتاريخنا وعلمنا ! 
سأجيبكِ على هذا السؤال الإفتراضي .... 
" المستشرقون " 
 مصطلح سمعنا به كثيراً ، والمستشرق عبارة عن رجل أجنبي   يأتي إلى الشرق الأوسط لتدارس التراث الإسلامي والحضاري ! ويكون عالماً بحياة الشرق الأوسط وعلومه وآدابه ولغاته وحضاراته ومدنياته .
هؤلاء المستشرقون يأتون من الغرب إلى الشرق الأوسط حتى يدرسون ويتدارسون الحضارة العربية الإسلامية لمدة طويلة من الزمن قد تصل إلى عشرين عاماً ! 
لم يكن يمكث هؤلاء المستشرقون هذه المدة عبثاً! 
بل هؤلاء هم من كانوا يسرقون حضاراتنا وعلمنا وثقافتنا إلى بلدانهم ! 
ليس هذا وحسب بل هؤلاء المستشرقون أنفسهم من أخبروا الغرب بنقاط ضعفنا وكيف تتم السيطرة علينا ! 
وماهي الوسائل التي  ستدمر العرب المسلمين !
اما إذا كنتِ ستسألين عن كيف يعيش الغرب وما الفرق بين معيشتنا ومعيشتهم ! 
فإليكِ الجواب… 
يدخل الغرب في صميم العلاقات عندنا ؛ في علاقتنا بأنفسنا ، ببعضنا البعض ،في علاقتنا بربنا . 
فجأةً نصبحُ نسخة مشوهة مما يريده الغرب ، هذا ما يسمى بالغزو الفكري والثقافي ! 
فجأةً نصبحُ نفكر كما يفكر الغربيون بأنفسهم ؛ المزيد من الملابس ، المزيد من الترف ،المزيد من إرضاء الحاجات الجسدية ، فجأةً تصبحُ الراحة النفسية مرادفةً لإرضاء النوازع والرغبات والمتطلبات المادية ! 
وتأتي علاقتنا بربنا ، يأتي ذلك الإنفصال اللئيم بين الدين والحياة ، فجأةً أصبحت علاقتنا بربنا محصورةً بدقائق معدودة ، نقرات سريعة ننقرها ، أصبحت عباداتنا عائقاً لأعمالنا بدلاً من أن تكون بركةً لأعمالنا ،لقد بدأ العد التنازلي ولا نعلم في أي هاوية سنقع ! 
هذا يا عزيزتي ماكنت أريد أن أخبركِ به . . . بات اللقاء قريباً يا عزيزتي انتظريني فسأعود بقوة لكي نبني معاً وطناً جديداً وربيعاً مختلفاً يليق بوطننا .


غُربَةُ الجيل "3" 


-لم نتفق على هذا يا ندى الروح ، غابت الشمس عن سمائي،فأصبح الكون كله من دون أيّ ألوان ،وملامح وأصوات ، لم يعد سوى صدى صوتكِ يرنُّ في أذني وأنتِ تقولين :  لا تنسَ يا زياد أنك تركت عروساً تحيك فستان زفافها خيطاً خيطاً ! 
لم أعد أتذكر إلا صورة وجهكِ ونظرات عينيك عندما  ودعتِنِي .
 وآمال الحياةِ أصبحت مزيفة ، لماذا رحلتِ هكذا ، الفراق نارٌ ليس لها حدود ،لا يشعر بها إلا من اكتوى بناره .
 هل تعلمين لماذا عدت؟!
  عدت حتى أفي بوعدي لكِ حتى نبني وطناً جميلاً ، وطناً خالياً من الأحقاد والنعرات، عدت إليكِ لكي تسنديني عندما أضعف ، وتواسيني  عندما أحزن، وتكوني مرهماً لجروحي ،عدت لكي تقولي لي إمضي في طريقك ولا تحزن لن يخزيك الله أبدا .
برأيكِ من سيواسيني ويجبر خاطري ويساندني ويقول لي لا تحزن ! 
حولي الكثير ممن احب نعم ولكن هناك قطعة من قلبي افتقدتها كثيراً .
الحرب أكلت الأخضر واليابس نعم'  ولكن لم أكن أتوقع أن تطول يد الحرب إليكِ ،لم أحسب لهذا حساباً . . . انا لن أنتقم لكِ يا ندى الروح ولكن كوني على يقين بأني سأمنع أن تموت ندى وحبيبة أخرى في هذا البلد ! 
أحياناً يكون الإنتقام هو ما يريده تجار الحروب ؛ولذلك يزرعون نار الشحناء والإنتقام في قلوب أدواتهم ! 
أنا لن أكون أداة لهم ! 
سأخبركِ بما فعلته! 
 على الرغم من التهميش الذي يحصل لي من الحكومة وأبناء وطني  ولكني مُصّرٌ على أن تنهض هذه البلاد ، صرخت كثيراً حتى ينهض الناس ولكنهم وللأسف يضعون أصابعهم في آذانهم ! 
وعندما كنت أصرخ جاء رجل كبير الحجم طويل القامة يرتدي ملابس سوداء فقال لي : كلما صرخت كلما  وضع الناس أصابعهم في آذانهم لا فائدة ! 
سألته - من انت ؟! 
أجابني - انا الظلم انا من سيجعلك تندم على ضياع سنواتك في الدراسة ! 
ضحكت وقلت له : أنت هو إذاً من جعل وطني موطناً للأشباح 
- نعم انا هو ،ولقد ساعدني أبناء وطنك على ذلك ! 
- وهل تعتقد بأني سأتركك تمزق وطني وأنا أنظر إليك ! 
- وماذا عساك  تفعل أنت بمفردك ما الذي يمكن أن تفعله!  
- سأفعل الكثير ! 
- لقد قال هذا الكثير من قبلك وهم الآن في البيوت نائمون، أو في عداد الموتى ! 
- أنا لست كأي أحد انا تعلمت وتعبت لسنواتِِ عديدة ، سهرت الليالي الطوال، تغربت لسنواتِِ  عن الأحباب والأصحاب حتى أعود بقوة لأهزمك أنت وأمثالك ! 
- سنرى ذلك...
 بالمناسبة على ذكر الأحباب  . . . هل ذكرت حبيبتك ندى ! 
عندما ذكركِ يا ندى الروح  غضبت كثيراً 
وقلت له بغضب 
-  ما شأن ندى بحديثنا ! 
- تلكَ كانت عاقبة من يحاول الوقوف أمامي ! 
- أنت يا ظلم أجبنُ من أن تخوض نزالاً شريفاً  ! 
- قلتها بلسانك ! 
وهل تعتقد أن الظلم سيجعلك تفعل ما يحلو لك دون أن يتخذ وسيلة لإيقافك ! 
- أنت بذلك تجعلني أدخل في معركة معك ! 
- هذه هي مهمتي أجعل أمثالك يفقدون أعصابهم لنخوض في معركة ونأكل الأخضر واليابس ! 
- يا لك من وغد حقير  
أنظر إلي جيداً يا ظلم عندما ذهبت إلى الدراسة جعلت نُصبَ عينيّ ثلاثة لا رابع لهما أولا-ً رضى الله سبحانه وتعالى ، ثانياً - الوطن والحفاظ عليه ! 
ثالثاً - الموت في سبيل ذلك 
إفعل ما شئت واتخذ لإيقافي من وسائل ما اتخذت واعلم أني لن أتوقف قبل أن تنهض الأمة من غفلتها !
أعدكِ يا ندى الروح بأني سأواصل مسيرتنا ولن أتوقف حتى يكتب الله ما يريد !
اللهم حياة ونحن عبيدٌ لكَ لا لأحد سواك أو الموت ونحن نسعى لذلك .

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-