قصص واقعية حقيقية قديمة واقع مؤلم
أبي و أمي شبه منفصلين رغم انهما يعيشان في بيت واحد،
فالشجار شديد بينهما: يدخل أبي الى البيت بعد عمله مجهدا
، فيجد امي مشغولة بإخوتي أو بإعداد الطعام أو بنظافة
البيت، اي انه لا يجد الوضع مهيأ لراحته كما يريد، فينزعج
جدا، فيرفع الصوت بالمساءلة والعتاب، فتغضب أمي، ثم
يبدأان بالصخب والسباب!
نحن في البيت عددنا كبير: أنا في الجامعة، أختي في
الثانوية، لي إخوة في المتوسط والابتدائي.
جميعنا نشاهد ذلك الصخب، فينقلب ألما في نفوسنا وبكاء
وفي عيوننا. تطور الأمر حتى طلق أبي أمي مرتين، ولم يبق لهما سوى الطلقةالأخيرة ، وبعدها تضيع حياتهما وحياتنا.
تطور الشقاق بينهما، وأصبح أبي يتناول حبوب الاكتئاب، ولا
يحب الجلوس في البيت، واصبحت امي معظم الوقت
متضايقة و متوترة.
يقول محمد: لما درست مهارات التفكير وأهميتها،
و بدأت أمارس التفكير الناقد، والتفكير الإبداعي، أحسست
بأني كنت مهملا لنفسي وحياتي، وان السلبية التي اعيشها
ادت إلى عدم وجود أي أثر أو مشاركة لي في البيت، فقط
كنت أدرس، آكل، أشرب، أنام، وقد ألعب مع إخوتي، ولي طلعات مع أصدقائى!
أختي مثلي كذلك، وكلانا نعزف نغم السلبية في بيتنا! يقول
محمد: لما مررنا على إستراتيجيات حل المشكلات، وطبقت
ومارست مهاراتها، عرفت كم أنا مقصر مع نفسي و أبي وأمي واسرتي كلها.
كنت أتصور أن المهمات والمسؤوليات تقع على أبي و أمي
فقط، أما نحن فلا مسؤولية علينا ابدا!!
ولكن ما غير قناعتي وحركي لتغيير سلوكي في البيت أمراندرستهما: اذا احسست بمشكلة حولك فلن تحلها حتى تحس بأنك جزء من المشكلة و الحل، والأمر الآخر أنه لا شيء
مستحيل. هنا فكرت: لماذا أنتقد والدي ووالدتي ولا أنتقد نفسي!
أين دوري؟ثم فكرت بأسباب المشكلة، فوجدت من أبرزها
أن هناك ضغطا جسديا ونفسيا على ابي وامي، فأبي يعمل منذ الصباح وحتى العصر ؛ ثم يأتي مجهدا فيتابع البيت و تربويا، إضافة إلى مهامه نحو متطلباته، ويتابعنا تعليميا الأسرة و الأقارب ..الخ.
لاحظت أن أبي لديه ١٤ مهمة، وأمي لديها مثله في البيت،
وأنا وأختي لا نشارك إطلاقا في اية مهمة، فوضعت خطة لتحمل أربع مهام من مهام والدي: المشتريات- متابعة
دروس أخي الصغير - القيام بمشاوير الوالدة- إضافة الى إحداث جلسة تفاعلية للأسرة في بعض الأمسيات، أديرها أنا وفيها قصص وفوائد وطرائف.
أيضا أختي ناقشتها فاقتنعت باعانة أمي، وقررت ان تقوم بأربع مسؤوليات: بالإشراف على سفرة الطعام تقديما
وتنظيفا- إعانة امي في تنظيف البيت- الاشراف على نظافة أختي الصغيرة- تنظيف أختي الصغيرة الأخرى.
بقينا ننفذ ذلك لمدة شهر، فلاحظت تغيرا واضحا في نفسية
الوالد، وأمي هدأت أكثر ، ونحن بدأنا نحس بدورنا في
البيت، وغاب ٦٠٪ من المشكلة
بعد ذلك طلب محمد واخته من أبيه وامه طلبا غريبا: طلبا منهما ان يأخذا اجارة ويذهبا بمفردهما إلى مكان ما في
بلدهما أو خارجها لمدة ثلاثة أيام، وينسيا هموم البيت و الأسرة والأولاد ليستجما ويرتاحا، ثم ليعودا أكثر نشاطا. في
أول الأمر رفض الوالدان الفكرة واستغرباها، ولكنهما اقتنعا بها وقررا تجربتها. وفى الأسبوع الذي يليه حزما حقائبهما
وسافرا ظهر الأربعاء، ولم يرجعا إلا العاشرة ليلة السبت، وكان بينهما وبين اولادهما تواصل على الهاتف، وعندما رجعا كانا كعروسين، ووجه الأم ينضح بالبشرى والارتواء وكأنها عروسة اللحظة، أما الأب فكان سعيدا مطمئنا: غاب حزنه
وترك الحبوب النفسية، وعند دخوله الى البيت ضم ابنه محمد وقبله ثم بكى وقال: يا حبيبي يا محمد، كان حقا علي
أن أزوجك، فاذا بك أنت من يزوجني.
كان لزاما علي أن أبني سعادة بيتنا، فإذا بك أنت وأختك من يمد قلبي وقلب أمك بالحب والحنان بعدما كاد ينكسر
الزجاج، و ينثلم الفؤاد.
يا بني علمتني أنت أن الحياة نحن من يصنعها في دواخلنا،
علمتني بذكائك ولباقتك أن المشاركة للكل راحة للكل، وأن المركزية تقتل سعادة المرء، فهو متعب دائما والناس معه متعبون، لكنكم الان شاركتم وبادرتم وريحتم واسترحتم.
يختم محمد قصته بقوله: لقد غابت المشكلة كلها تقريبا،
وهذه هي المرة الاولى التي أدرس العلم فيها دراسة تطبيقية في حياتي.
الأبناء عندما يتحررون من الأنانية ، يصبحون نعمة
كم من أولاد في بيوت أبائهم كضيوف ...