قصص واقعية حقيقية قديمة
كنتُ منتظرًا في البنك حتى يحين دوري، دخل شيخ طاعن في السن يرافقه ابنه؛ ويبدو أنه جاء يبدل بطاقته المصرفية.
الشيخ جلس على أحد الكراسي والابن راح يملأ استمارة تخص البطاقة، وكان البنك مملوءًا بالمراجعين، فصاح الشيخ بصوت عال يسمعه الجميع:
البطاقة ما زالت جديدة، فلماذا نبدلها؟
دنى الولد من أبيه ووضح له بهدوء: صحيح أنها ما زالت جديدة لكن تأريخها قد انتهى.
عجبني الابن لسعة صدره وفهم أبيه.
لا شك أنه كان قد وضح من قبل سبب مجيئهما للبنك لأبيه، لكنه شيخ كبير قد ينسى أو لا يقتنع بالدلائل التقنية التي نراها واضحة ومقنعة.
فهو ليس من هذا الجيل الإلكتروني ولا يعرف معنى انتهاء التأريخ لبطاقته. هو يراها لم تزل جديدة ولا حاجة لتبديلها.
لذلك إن كان أبوك شيخًا كبيرًا طاعنًا في السن كشيخنا هذا، فافهمه؛ إن طلب منك أن ترافقه إلى مكان ما – للبنك وما شابهه - اهبب معه ولا تتثاقل؛ فإن رفضتَ تُعدُ من ناكري الجميل، من أولئك الذين يوصفون بالعاقين.
فقد تسيران مسافة ثم تتفاجأ بأنه ينتعل نعالا بالية لا تليق ومكانتك الاجتماعية، فلا تتأفف واعلم أنه إذا ما كان مستعجلا يلبس أقرب نعال له حتى لو كانت ليست مناسبة لخارج البيت.
وأنتما في البنك مثلا، ولم يحن دوركما بعد، لكنه قد يضيق من الزحام فيطلب منك – وبلحن الآمر - أن تسألهم عن حين دوركما، فلا تتضجر وتمشى نحوهم ثم حاول أن تسألهم عن شيء ما. فهو قد لا يعرف معنى الرقم الذي أخذته من الجهاز وهم سوف ينادونك متى ما حان دورك.
وقد يشكو للمراجعين الذين يجلسون جنبه أكثر من مرة عن عبثية تبديل بطاقته، وذلك بصوت مرتفع يسمعه الجميع، فإياك أن تذكّره أن يخفض صوته، دعه يتكلم براحته. واعلم أنهم سوف لا ينزعجون من علو صوته. هم يدرون أنه شيخ كبير ويحترمون شيبته ويبررون تصرفاته.
أو قد يسأل بعض المراجعين عن سبب مجيئهم إلى البنك، فإياك أن تومئ إليه بالسكوت بحجة أنه يتدخل في أمور الناس، ففي زمانه لم تكن بين الناس أسرار ولا خفايا، كان كل ما في قلوبهم على ألسنتهم. فيبيحون لبعضهم ما يختلج في ضمائرهم.
وقد يكلم الجالسين عنك وعن شغلك وعن مكانتك الاجتماعية، فلا تسخط وتحمّله، فإنه قد يتفاخر ويتباهى أمامهم بك.
وإلا ما معنى (لا تنهرهما) التي جاءت في القرآن الكريم؟
هذا ولا أوصيك بأمك العجوزة، أدري أنك تعرف جيدا أن لها حقا أكبر بالمرات من حق أبيك في عنقك.
فالله الله بها، ليس لأن الجنة تحت قدميها، بل لأنها أمك التي عينها كانت وما زالت ترنو إليك.
فإياك أن تغلظ القول وأنت تخاطبهما، بل قل لهما - كما أوصاك ربك- (قولا كريمًا).
فالله الله بهما يرحمك الله.
منقول